بستان المستظل وبئر عذق - Boustan Mostazal & Ethiq Well

تقع بئر عذق في جنوب غرب مسجد قباء وتبعد عن محراب المسجد حدود (150) متراً، وتنطق هكذا (عَذْق) بفتح العين وسكون الذال، كلفظ (عذق النخلة)، وقد ذكر المؤرخون أنه كان حول هذه البئر آطام تعود لبني أنيف وهي إحدى قبائل المدينة القديمة، قال السمهودي: “من منازلهم بئر عذق وما حولها”.
وكانت تسكن هذه القبيلة (بنو أنيف) ما بين قباء ومنطقة العصبة، ولهم فيها آطام، ومسجدهم معروف فيها (مسجد بني أنيف)، ولهم حضور بقباء، قال شاعرهم: ولو نطقت يوماً قباء لخبرت … بأنّا نزلنا قبل عاد وتبّع
وآطامنا عاديّة مشمخرّة … تلوح فتنكى من نعادي وتمنع
فالمنطقة يسكنها بنو أنيف وبجوارهم بنو عمرو بن عوف أهل قباء، ولهم آطام كثيرة بها، وكان سيدهم عند قدوم النبي ﷺ كلثوم بن الهدم رضي الله عنه، وكان كلثوم شيخاً كبيراً، وكان له مربد للتمر، وهو موضع مسجد قباء، ولم يذكر أهل التاريخ من المتقدمين أن مزرعة بئر عذق هي لكلثوم بن الهدم، ومن تلك الآطام التي كانت بقباء أطم اسمه (أطم المستظل) كان كان لأحيحة بن الجلاح الجحجبي، ثم صار لبني عبد المنذر في دية جدهم رفاعة، وكان موضع هذا الأطم عند بئر غرس.
وبئر غرس اشتهر به بئر يبعد عن بئر عذق أكثر من (1000) متر، ويقع في شمال شرق مسجد قباء، بعيداً عن بئر عَذْق.
وعلى هذا يفهم أنه لا علاقة بين (أطم المستظل) وبين مزرعة (بئر عذق)، فالمسافة بينهما تزيد عن كيلو من الأمتار، على المشهور من أن بئر غرس هي هذه البئر المعروفة اليوم خلافاَ لما ذهب إليه المؤرخ العياشي رحمه الله كما سيأتي.
وما ورد في بئر عذق مما له تعلق بالسيرة النبوية، أن النبي ﷺ عندما قدم مهاجراً، أناخ عند بئر بقباء، ذكر يحيى الحسيني جد أمراء المدينة في كتاب «أخبار المدينة» أنها (بئر غرس)، وغرس على المشهور بعيدة عن طريق النبي ﷺ من العصبة لقباء يوم الهجرة، لذا مال السمهودي إلى أنها بئر عذق، قال السمهودي: “وقوله «عند بئر غرس» الظاهر أنه تصحيف، ولعله (بئر عذق) لبعد بئر غرس من منزله ﷺ بقباء، بخلاف بئر عذق، وإلا فهو قادح فيما يعرفه الناس اليوم من أن بئر غرس هي المعروفة بمحلها الآتي بيانه”. فنلاحظ أن السمهودي من دقته لم يجزم بأنها عذق وإنما جعله احتمالاً.
وقد ناقش المؤرخُ العياشيُّ قولَ السمهودي ورأى أن بئر غرس المذكورة في هذا الخبر هي بئر عذق، وأنها تعود لأملاك كلثوم بن الهدم رضي الله عنه، اجتهاداً منه رحمه الله. فيكون أطم المستظل على قول العياشي بجوار بئر عذق، ولكن هذا الاسم (المستظل) لا علاقة له باستظلال النبي ﷺ عند البئر.
وأما ورد في كتب التاريخ فخلاصته أنه ﷺ أناخ عند بئر عذق، مع الخلاف في تسميتها، وهنا اجتمع الناس حوله ﷺ.
وأما ما جاء في الصحيح، ففي صحيح مسلم: أن رسول الله ﷺ قدم المدينة، فنزل في علو المدينة، في حي يقال لهم بنو عمرو بن عوف.
فالوارد إذن في الصحيح أنه ﷺ نزل في بني عمرو بن عوف، وهم أهل قباء، وسيدهم كلثوم بن الهدم، وأما تفصيل الأحداث، فأورد السمهودي الاحتمال بأن الموضع الذي أناخ عنده هو (بئر عذق).
أما اليوم فهكذا تنسج القصة من البعض: إن النبي ﷺ جاء إلى بستان بئر عذق واسمها (بستان المستظل) وشرب من ماءها، وتفل فيه، وأكل من تمرها، وصلى في موضع محدد فيها، تم تحديده بالحجارة حديثاً، وأن هذه المزرعة تعود لكلثوم بن الهدم، وأن فيها بيته لا يزال قائماً حتى هذا اليوم!، وكل تلك التفصيلات الزائدة عما روي في كتب الحديث الصحيحة وكتب التاريخ؛ تفصيلات غير صحيحة، ولم يقل بها العلماء المحققون، وهي تلفيق تاريخي لأخبار متنوعة، سمعها البعض، ثم أذاعها دون تحرٍّ ولا تدقيق، ولا نص عن عالم أو مؤرخ من أهل المدينة.
ومما ينبغي أن يذكر أن دار كلثوم بن الهدم رضي الله عنه، ليست هي الموجودة اليوم داخل هذه المزرعة قطعاً، بل كانت في قبلة مسجد قباء وهدمت قديماً، ومكانها معروف، وكان له مربد، بنى في محله النبي ﷺ مسجدَ قباء، ثم لم يلبث أن مات كلثوم رضي الله عنه في السنة الأولى من الهجرة قبل بدر، كما أنه مما ينبغي ذكره أن موضع هذه المزرعة، موضع تاريخي قديم ولا شك، وهذه البئر مذكورة في كتب التاريخ، ولكن دون هذه التفصيلات، وهي قريبة جداً من مسجد قباء، فالحديث ليس في أصل القصة، وإنما في التفصيلات الكثيرة الطارئة عليها.. والله أعلم.

منقول بتصرف من: د. فهد الوهبي

 

ساعات العمل: مغلقة حاليًا؛ لأعمال التطوير والتأهيل.

عنوان بستان المستظل وبئر عذق

حي العصبة – بجوار مسجد قباء بجهة الغرب

Advertisements

This Post Has One Comment

اترك تعليقاً